الثلاثاء، 10 يوليو 2018

أجواو: "التدين المغربي" يوازن الهوية الأم والقيم المكتسبة بهولندا

أجواو: "التدين المغربي" يوازن الهوية الأم والقيم المكتسبة بهولندا
على غرار كل سنة، ومع إطلالة الشهر الفضيل، شهر رمضان، ترسل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية مئات الأئمة والوعاظ والواعظات إلى مختلف الدول الأوروبية، وخاصة إلى الدول التي تعرف حضورا مكثفا للجاليات المغربية.
ويكمن الهدف من هذه البعثات، حسب الجهة المكلفة، في تأطير مغاربة العالم دينيا وتأمينهم روحيا وحفظهم من كل غلو، عبر الإشراف المباشر على هذه العملية والتعاون مع مختلف المؤسسات والمساجد التي توجد بعين المكان.
ويتم توزيع هؤلاء الأئمة والوعاظ والمرشدين، حسب ما أعلنت عنه الوزارة الوصية، استنادا إلى الاتفاقيات التي توقعها مع سفارات وقنصليات المملكة بالخارج ومع الهيئات والمساجد والمراكز المغربية بعين المكان.
يتولى هؤلاء الموفدون إلى الخارج مهمة إمامة المصلين في صلاة العشاء والتراويح، فيما يقوم الوعاظ من كلا الجنسين بمهمة الوعظ والإرشاد وإلقاء الخطب يوم الجمعة، فضلا عن ربط علاقات اجتماعية مهمة جدا بين أفراد الجاليات، والسهر على انسجام وحدات هذه الجاليات.
يتزامن حضور هذه البعثات إلى الدول الأوروبية مع نقاشات وسجالات تأخذ طابعا أكاديميا وسياسيا تارة ومجتمعيا تارة أخرى، حول مكانة الإسلام والمسلمين بهذه الديار، وحول المخاطر التي تتعرض لها الدول الأوربية من التطرف الديني، ومع الدعوات إلى القطع مع الإسلام المستورد من الدول العربية والإسلامية، ومن بينها المغرب، وفي الوقت ذاته العمل على بناء إسلام أوروبي محلي، قائم على أسس اجتماعية وخصائص ثقافية للدول المستضيفة.
وفي إطار هذا الجو المفعم بالتعدد والتنوع والاختلاف والتباين على مستوى الأفكار والآراء ووجهات النظر حول هذه البعثات، وما تثيرها من إشكالات في الدول الأوروبية المستضيفة، ارتأينا أن نحاور الباحث المغربي الدكتور محمد أجواو في الموضوع نفسه.
في البداية، هل يمكن أن تقربوا القراء من شخصكم الكريم؟
اسمي محمد أجواو، مزداد سنة 1968 بقرية ثازغين بإقليم إدريوش، تابعت دراستي الجامعية بمدينة فاس، شعبة الفلسفة. في سنة 1991، انتقلت إلى هولندا، بهدف متابعة الدراسة الجامعية، حيث استكملت دراساتي العليا في تخصص علم الأديان (اللاهوت)، ثم بعد ذلك ولجت قسم تكوين الأساتذة، وفي سنة 2010، نلت شهادة الدكتوراه بجامعة تلبرخ بجنوب هولندا، وصدرت في السنة نفسها بعنوان "أئمة وراء القضبان".
اشتغلت في مجال التعليم والعمل الاجتماعي ومستشارا بوزارة العدل الهولندية في قضايا الاندماج والأقليات المسلمة، عينت سنة 2007 كأول رئيس هيئة الإرشاد الديني في مندوبية السجون بوزارة العدل الهولندية..
ومنذ سنة 2011 أشتغل أستاذا باحثا بالجامعة الحرة في قسم الدراسات الإسلامية بمدينة أمستردام، وبجامعة لوفان لنوف بمدينة بروكسل البلجيكية. صدرت لي، إلى حدود اللحظة، الكتب التالية: سنة 2006 كتاب "المسلم الذي أكون"، وفي سنة 2010 "أئمة وراء القضبان"، وفي سنة 2014 صدر لي أيضا كتاب بعنوان: "من هو المسلم؟".
كيف تقيّمون أداء البعثات الدينية التي ترسلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب إلى مختلف بقاع العالم؟ وكيف تنظرون إلى تأثيرها إيجابا أو سلبا داخل المجتمع المغربي بهولندا؟
أود، في البداية، أن أقر بمسلمة تكمن في غياب البحوث والدراسات في هذا المجال، لكي نقف على التقييم الدقيق والصائب لفاعلية هذه البعثات المغربية على الجالية المغربية في مختلف بلاد العالم بشكل عام، وعلى الجالية المغربية بهولندا بشكل خاص..
في ظل غياب هذه البحوث والدراسات، لا يمكن لنا أن نحكم بالإيجاب أو بالسلب على هذه المبادرات، لكن يبدو لي شخصيا أن مثل هذه المبادرات مؤشر إيجابي، لأنها تلبي حاجات المتدينين المغاربة في هولندا، وخاصة الحاجيات الروحانية، وتسد فراغا كبيرا على مستوى الكفاءات والقيمين الدينيين الذين يمارسون هذه المهمة، وثمة فراغ أيضا على المستوى السوسيولوجي تسدها هذه البعثات.
وكما نعلم بالإضافة إلى دوره الروحي والديني المهم، فإن شهر رمضان يلعب أيضا دورا اجتماعيا، يتمثل في تشبث المتدينين بنمط من الألبسة سواء كانوا رجالا أو نساء، ويساعد حضورهم على توثيق أواصر العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد، ويملأ فراغا هوياتيا، وخاصة أننا نعيش حربا رمزية.
ومن ثمّ، أرى أنه إذا لم يتم ملء هذا الفراغ من لدن أئمة ووعاظ مغاربة وبأشكال ورموز التدين المغربي سيملأ لا محالة بأشكال ورموز من بلدان أخرى، ونحن في هولندا مثلا نعيش ويلات تدخل جهات ودول من المشرق العربي، والكل على علم كيف أسهمت الدول في بلورة نموذج من الغلو الديني، كانت له الآثار السلبية على الجاليات المسلمة وعلى الجالية المغربية بشكل واضح.
لا ينبغي أن ننسى أن هؤلاء الأئمة موسميون، نخفف بهم العبء على الأئمة المستقرين، وخاصة أن هؤلاء الأئمة أمام مهمة صعبة وجسيمة خلال شهر رمضان، وتطلعات المتدينين كبيرة وغير محدودة خلال هذا الشهر، فهنا يقع التكامل والتعاون، وهي فرصة مهمة للجميع، لربط أو إعادة الصلة بالبلد الأصل..
هذه الأشياء أعتقد أنها بريئة وليست لها عواقب سلبية على الجاليات المغربية، وحضور الجانب الإيديولوجي في حدود ما أعلم ضئيل، كما أنها تدعم مسألة التنوع والتعدد داخل الثقافة الواحدة، إلا أن ما أخافه هو السير وراء النماذج المغالية والمتطرفة القادمة من بلدان أخرى كالمملكة العربية السعودية مثلا، ولا تنسجم وخصوصيات الدول الأوروبية. أما النموذج المغربي فيعمل على تناسق الهوية الأم والهوية المكتسبة، وهذا التوازن مهم بالنسبة لنا نحن في هولندا.
في الموضوع نفسه، كيف تقيّمون سلسلة التكوينات للقيمين الدينيين وللأئمة على وجه الخصوص التي أشرفت عليها بعض المؤسسات الرسمية المغربية، في السنوات الأخيرة، ومدى فاعليتها ضمن السياق الهولندي؟ وما رأيكم في فكرة استيراد ما يسمى بـ"النموذج المغربي المعتدل في التدين" إلى الدول الأوروبية عامة وهولندا على وجه الخصوص؟
لقد حضرت دورات من هذا الشكل، أرى أنها مفيدة جدا، وهذا الأمر أيضا رهين بطبيعة هذه الدورات نفسها وبموضوعاتها وبمدى الجاهزية المعرفية وكفاءة المؤطرين الذين يشرفون على تأطير هذه الدورات أنفسهم، وبمدى تطابق موضوعات الدورات بحاجيات المكونين أو لنقل المشاركين او المستهلكين.
وأعني بالحاجيات في هذا المقام: الدينية والاجتماعية أو المعرفية في هذه البلاد. لقد حضرت دورات من هذا الشكل كان فيها الأئمة مستهلكين، وفي الوقت نفسه منتجين للمعرفة؛ لكنها تظل للأسف الشديد هزيلة جدا، بالمقارنة مع خطورة وأهمية المهنة التي يمارسها الأئمة أنفسهم، وتأخذ طابع الارتجالية وتفتقد إلى الاستمرارية.
أما الشق الثاني من السؤال، الذي يذهب إلى الحديث عن النموذج المغربي في التدين، الذي ألاحظه كباحث ومعاين عن قرب للظاهرة، أنه نموذج يتسم بالمرونة والاعتدال، ويقدم في شكل نصائح وتوجيهات واقتراحات ولا يفرض فرضا على المتدينين أو على المؤسسات الدينية، بما فيها المساجد أو المراكز الإسلامية.
إن الاعتدال يشمل الشعائر التعبدية، كالصلاة والصوم والزكاة، لا تنسى أن أئمة من أنواع تدين أخرى لا يزالون في قلب العواصم الأوروبية، يفتون بأشياء غريبة..
طبعا، لا يمكن لك لنا، بأي حال من الأحوال، أن نسقط السياق المغربي على السياق الهولندي، فهما مختلفان ومتباينان بشكل كبير؛ لكن الذي نلاحظه أيضا أن سؤال الاعتدال سؤال محرج للغاية لنا اليوم، وخاصة في هذه البلدان الأوربية، فلفظة اعتدال اشتقت من الجذر عدل، ومن قيمة العدل الذي جاء الدين ليؤسسها ويبني الإنسانية عليها، فلا عمران بلا عدل، وضده الظلم، لكن الأحكام التي صدرت في الأيام الأخيرة على شباب الريف، الذين خرجوا في تظاهرات شعبية، منددين بالأوضاع الاجتماعية المزرية، التي تعاني منها شرائح اجتماعية كثيرة بالمنطقة وبالمغرب كله، كانت أحكاما قاسية وفيها غلو كبير، تتنافى مع نموذج الاعتدال الذي تريد الدولة المغربية تقديمه وتسويقه إلى الآخرين، على أنه النموذج المغربي في التدين، فكيف نقر بمبدإ الاعتدال في وسط هذا المناخ من الترهيب والخوف والأحكام القاسية؟ إنها ضربة قاصمة لمصداقية هذا النموذج..
بكلمة إن الاعتدال ينبغي أن يشمل جميع مناشط الحياة، وفي الوقت ذاته يظل هذا المفهوم مفهوما فضفاضا.
من جانب آخر، كنتم من الأطر المغربية التي اشتغلت على موضوع التكوينات الجامعية للأئمة المغاربة داخل الجامعات الهولندية، التي برمجت وقت قدوم وزيرة الاندماج ريتا فردونك، إن على مستوى رسم السياسات أو البرامج بالإضافة إلى التدريس الجامعي. أما وأن هذه الشعب والتكوينات قد توقفت في معظم الجامعات، فما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى فشل هذا المشروع؟
اعذرني، إن أشرت إلى أنني منذ 2012 أشتغل رئيسا لقسم شعبة الدراسات الإسلامية بالجامعة الحرة، فكانت عندي مسلمة جاهزة ولا أزال أومن بها، تكمن في أن رجال الدين والأئمة لا يتم تكوينهم في شعب بالجامعات، وظيفة الجامعات تكمن في تخريج أطر أكاديمية وباحثين.
أما تخريج الأئمة ومدرسي العلوم الشرعية وما إلى ذلك، فهي من مهمة الجاليات نفسها، أو بتعبير أدق الجماعات جماعات المتدينين أنفسهم، إنها مهمة ذاتية، فكنت دائما أعارض هذه الفكرة، فكرة تكوين الأئمة بالجامعات. وفي حالة ما إن كان الإمام في حاجة إلى تطوير لقدراته المعرفية ومهاراته الاجتماعية أو التواصلية، فإن الجامعة بإمكانها أن تلعب هذا الدور وتمارس هذه الوظيفة.
أما تكوين الأئمة في الجامعات الذي جاء في سياق سؤالكم، فهي قضية مضللة، ولا يطابق الواقع ولا يطابق واقع الجامعات، يستحيل تكوين الأئمة شرعيا أو دينيا في الجامعات؛ فسياستي كانت كالتالي، أسائل المسؤولين عن هدفهم من وراء هذا التكوينات، فيجيبونني بأن الهدف من وراء هذه التكوينات هو تأطير الأئمة وهم بدورهم يِؤطرون الشباب داخل المساجد.
وفي هذه القضية، خطأ كبير وفادح، الشباب يقضون معظم أوقاتهم في المدارس والجامعات والأندية وما غير ذلك وليس في المساجد.. لذا، فالجهود ينبغي أن تنصب على تكوين الأطر والمدرسين الجامعيين والفاعلين ومستشارين اجتماعيين من أصول مغربية..
قد أضرب مثلا في هذا المقام، بالباحث المغربي التيجاني بوالعوالي الذي درس عندنا في هذه الجامعة، وتخرج منها، والآن يشتغل إطارا تربويا في بلجيكا.. هذه النماذج هي التي أريد دائما وأبقى دوما أسعى إلى الاشتغال عليها، والأكثر من ذلك هو أن هناك فراغا كبيرا لدى كثير من الطلبة والأطر والموظفين المغاربة، الذين يمارسون مختلف المهن، من أطباء ومحامين وباحثين في العلوم الإنسانية.
هؤلاء في أمس الحاجة إلى هذه التكوينات الإسلامية داخل الجامعات الهولندية. أما في الجامعة البلجيكية، فالأمر يختلف، إذ تتوجه الجهود نحو تكوين أساتذة نظاميين للإسلام في المدارس الحكومية. هذا فضلا عن تكوين ما يسمى بأئمة المجال أو الفضاء العمومي.
ثمة أئمة كثيرين يشتغلون في السجون والمستشفيات وفي الجيش الهولندي أيضا؛ لكن هذه التكوينات، التي شملت هاته الفئات المستهدفة، كانت تكوينات أكاديمية وعلمية بحتة، ولم تكن شرعية، والغرض منها هو بالإضافة إلى تطوير الجانب المعرفي والعلمي والبحثي والنقدي، تأهيلهم لكي يتمكنوا من ممارسة وظائفهم، كمرشدين روحيين.
أما بالنسبة للديانات الأخرى كالمسيحية، فالقساوسة مثلا يكونون في جامعات بعينها، ويلقون مختلف العلوم والمعارف، كل ذلك يتم عن طريق مؤسسات الكنائس، فالكنائس تسهر على تزكيتهم ومنحهم لقب القسيس أو ألقاب أخرى، وفي آخر المطاف على توفير الإمكانات وتوظيفهم في أماكن مختلفة.
على الرغم من أن استقرار المسلمين فعليا في هولندا قد تجاوز نصف قرن وعدد المساجد وصل اللحظة إلى حوالي 500 مسجد، لا تزال تثار قضية الحسم بين: جلب الإمام من البلد الأصل، أو تكوينه في البلد المستضيف، كيف يمكن حل هذا الإشكال، أخذا بعين الاعتبار الفشل الذريع للتكوينات التي أشرت إليها سابقا وهشاشة وضعف تكوين الأئمة الذين يجلبون من المغرب؟
أود أن أذكر القارئ الكريم، وأنا بصدد الإجابة عن هذا السؤال، بأن موضوع رسالتي للدكتوراه كان حول الإمام الذي يزاول مهنته كمرشد روحي داخل السجون؛ فعدد لا يستهان من هؤلاء الأئمة تكونوا بالمغرب أو في العراق أو في سوريا أو في مصر بالنسبة إلى كثير من الأتراك، قبل أن يأتوا إلى الديار الهولندية..
إذن، فهم لم يكونوا صفحة بيضاء، وفئة كبيرة منهم تكونوا تكوينا جامعيا، في تخصصات من قبيل الدراسات الإسلامية أو تخرجوا من كليات الشريعة وأصول الدين، هذا فضلا عن ما تلقوه في الجامعات الهولندية، من تكوينات إضافية أخرى في مجالات علمية مختلفة، ومن تدريبات خاصة بهدف تطوير مهاراتهم التواصلية أو الاجتماعية أو لتحسين أدائهم في مراكز عملهم، إلا أن الإمام داخل المساجد يظل خلف الركب.
فعدم توفير هذه الإمكانات، على الرغم من وجودها بشكل كبير في المجتمع الهولندي، من لدن المشرفين ومسيري مؤسسات المساجد يجعل الإمام من داخل المساجد لا يستطيع أن يواكب التطورات الهائلة والتغيرات السريعة التي تعرفها المجتمعات الأوروبية...
هذا ما يؤثر على طبيعة الخطاب الذي ينتجه، خطاب أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه ينتمي إلى عهود غابرة، ولا يواكب العالم والعصر.. وهذا ما يجعل الإمام داخل مؤسسات الدولة، كمندوبية السجون أو وزارة العدل بشكل عام أو من داخل المستشفيات أو الذي يشتغل كمؤطر روحي داخل الجيش، أكثر قدرة على التأقلم والاندماج وعلى أداء مهمته بشكل فعال وإيجابي، من الإمام الموجود بالمساجد.
أما بخصوص استيراد النموذج المغربي، فمن الناحية الصورية، أقول وأكرر إننا نحن شخصيا استفدنا ولا نزال نستفيد من هذه التجربة ومن المراجع التي نستعين بها كتاب "دليل الإمام والخطيب والواعظ" لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، الذي يشكل خريطة طريق بالنسبة للأئمة، يجيب عن أسئلة دقيقة، كمن هو الإمام، ما هو شروطه، وأدواره ومهامه وحدود اشتغالاته وتخصصاته، وما هي القوانين المؤطرة لمهنته، وماذا عن الإمام وعلاقته بالمجال العام في دول تؤكد على فصل الدين عن الدولة.
لا أخفيك أنني عندما بدأت العمل في هذا المجال، عانيت كثيرا من الفقر الكبير على المستوى النظري وعلى مستوى المساطر والقوانين المؤطرة لهذه المهنة. هذا فضلا عن أننا استفدنا الكثير من التجربة التركية، وخاصة أنها دولة علمانية، فسهلت علينا أمورا كثيرة، في تعاملنا مع قضايا وإكراهات متعدد ومختلفة واجهتنا طيلة هذه المدة من اشتغالنا في هذا المجال.
بكلمة أقول: إن الاستفادة من الأطر والنماذج، سواء أكانوا في الداخل أو في الخارج أمر محمود ومرغوب فيه؛ لكن ينبغي أن يخضع للتمحيص والنقد والتبيئة، بما يتوافق والبيئة الأوروبية التي نعيش فيها، والتي نشكل جزءا لا يتجزأ منها. ولا ينبغي أن نكون عدميين، بمعنى أن كل ما يأتي من الخارج فهو مرفوض، فهذا لا يقبله المنطق والعقل.. و
هذا يسري أيضا على المجموعات الدينية الأخرى، وأضرب مثلا بالكنيسة الكاثوليكية الهولندية، التي تجلب كل سنة المئات من القساوسة من أمريكا اللاتينية، يشترط فيه أن يكونوا مؤطرين تأطيرا أكاديميا، ويتم تكوينهم في شعب متخصصة وبشكل مكثف في الجامعات الهولندية، وتوفر لهم كل الإمكانات لأداء مهمتهم على الشكل اللائق بهم، ويتلقون راتبا محترما جدا..
إذن، ما الفرق بيننا وبين هؤلاء؟ فالإشكال ليس هنا، إنما يكمن في الثقافة التي ما زالت سائدة عندنا نحن المغاربة، فمعظم مؤسسات المساجد تريد استقطاب أئمة من المغرب، حافظين للقرآن وقليلي أو متوسطي العلم الشرعي، ومن ثم يسلبوا من كل حقوقهم الطبيعية، ويخضعون لشتى أنواع الابتزاز، في غياب قانون يؤطر مهنتهم، في الوقت نفسه لا يستطيع الإمام الوافد اللجوء إلى السلطات، بهدف حماية حقوقه الشرعية أو البحث عنها...
إنها وضعية مزرية هاته التي يعيشها الأئمة داخل المساجد، فأخجل أحيانا عندما أصلي وراء بعض الأئمة، لمعرفتي الدقيقة بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية البئيسة والمزرية.. أما الذين يشتغلون من داخل مؤسسات الدولة، فهم أشبه ما يكونون بالموظفين الآخرين من أطباء ومحامين وقضاة وأساتذة إلخ.يتقاضون راتبا شهريا محترما، ويستفيدون من جميع حقوقهم، لذا فعلى المتدينين أن يشتغلوا على حماية الأئمة من الابتزاز والحرمان والاستغلال البشع، وإرغام مؤسسات المساجد على توفير الإمكانات والأجواء الملائمة لأداء ومزاولة مهنهم.
لقد راكمتم خبرة كبيرة، بوصفكم مديرا لشؤون التأطير الديني للسجناء بوزارة العدل الهولندية، وبوصفكم أيضا باحث وأكاديمي جامعي بجامعات هولندية وبلجيكية، هل يمكن لكم أن تقدموا لنا وصفة علاج لمعضلة التأطير الديني للجالية المغربية في هولندا؟
الزمن كفيل بحل هذا الإشكال، هذا بالإضافة إلى تراكم التجارب في هذا الميدان، وتطور العقليات وتغيير الثقافات، والعمل على صياغة رؤى وفلسفات في هذا المجال، وهذا الأمر يحتاج منا إلى وقت طويل، وهذا موكول أيضا للمؤمنين أنفسهم، فما لم ندرك أهميته وضرورة الاشتغال عليه، طبعا بالتعاون مع الأفراد والجماعات والمؤسسات، فسنظل نخبط خبط عشواء، وسنظل نعاني من الأدواء والأزمات نفسها، ونكرر الأخطاء نفسها.

الجمود يلف الحوار الاجتماعي .. تنديد نقابي بغياب الحوار مع العثماني

الجمود يلف الحوار الاجتماعي .. تنديد نقابي بغياب الحوار مع العثماني
مازالَ "البياضُ" يَعْلُو صَفَحَات الحوار الاجتماعي الذي ظلَّ جامداً مُنذ ما يزيد عن السنة، بعد رفضِ النقابات المركزية عرض الحكومة الأخير الرَّامي إلى إخراج مطالب الشغيلة من عنق الزجاجة. فقد قرّر العثماني في خطوة أُحَادية الدَّفْعَ بعَجَلةِ الحوار دون الوصول إلى توافقٍ مع الشغيلة، وهو ما ترفضهُ المركزيات النقابية التي كانتْ تُمنّي النفس بالتوصل إلى صيغة تُنهي "الاحتقان" قُبيل العطلة الاجتماعية.
ورغم أن الحكومة كانت قدْ أكدت أن الحوار الاجتماعي يتَّجه إلى تبني صيغة توافقية تنهي "حالة الاحتقان"، وأنها ستعمل على الزيادة في أجور الموظَّفين، فإنَّ النقابات تعتبر أن "الحكومة ليست لها الإرادة الفعلية للتفاعل الإيجابي مع الملف المطلبي للشغيلة بتقديمها عرضا هزيلا وتمييزيا".
وفي هذا الصدد، أوْرَدَ العرض الحكومي أن "الزيادات المُرتقبة للموظفين قد تصل إلى 1700 درهم شهريا"، وفق ما جاء في التوقعات المستقبلية للحكومة في سياق تقديمها لحصيلة سنة من العمل، كما أعلنت التزامها برفع التعويضات العائلية بمبلغ يتراوح بين 100 و600 درهم شهريا، مشيرة إلى أن "إنجازاتها شملت الرفع من الحد الأدنى للتقاعد ليَصِلَ إلى 1500 درهم، لفائدة 74 ألف متقاعد، ابتداء من فاتح يناير 2018".
علال بلعربي، القيادي النقابي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، اعتبر أن "العرض الحكومي هزيل جداً، ولا يرقى إلى مستوى الحد الأدنى من تطلعات الطبقة العاملة وعموم الأجراء" مورداً أن "الشغيلة كانت تنتظر من حكومة العثماني أن تقدم عروضا أكثر تحفيزية وأن تهتم بوضعيتها وأحوالها الاجتماعية، لا أن تقدم وعوداً وردية بعيدة عن الواقع المعاش".
وتقترح الحكومة الرفع من التعويضات العائلية بـ100 درهم عن كل طفل، تشمل ستة أطفال، بالقطاع العام ابتداء من فاتح يوليوز 2018، وبالقطاع الخاص بعد مصادقة المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
لكن القيادي في الكونفدرالية يعتبر هذه "التعويضات هزيلة وتمييزية"، وقال: "هذا أمر غير مقبول بتاتاً، نحن نطالب بزيادة عامة في الأجور تصل إلى 600 درهم عوض 300 درهم التي تقترحها الحكومة، والرفع من التعويضات العائلية إلى 400 درهم، ومراجعة الضريبة على الدخل".
واعتبر بلعربي حكومة العثماني الأضعف في تاريخ الحكومات المغربية، وقال: "الحوار الاجتماعي لم ينجح مع هذه الحكومة لأن العثماني لا يريدُ الحوار ولا يهتم بمطالب الشغيلة"، مضيفا: "الحكومة لم تنفذ التزاماتها المقررة في مخرجات حوار 26 أبريل 2011، ففي الوقت الذي نتفاوض فيه على المستقبل، كان لزاما على الحكومة على الأقل أن تفي بالتزامات 2011"، وفق تعبيره.
وحذر المتحدث ذاته من حدوث انفجار اجتماعي بعد توالي الاحتجاجات في عدد من مناطق المملكة، وقال: "لا نريد أن نصبح مثل بلدان الشرق الأوسط التي تعيش أوضاعاً مأساوية، لكن الحكومة بتجاهلها لمطالب النقابات تضع نفسها على فوهة بركان".

أكاديميون يقاربون التلاقح البينيّ لمسألة الديمقراطية بشمال إفريقيا

أكاديميون يقاربون التلاقح البينيّ لمسألة الديمقراطية بشمال إفريقيا
كثير من الدراسات، التي تناولت ما يسمى بـ"الربيع العربي"، ركزت على مدى النجاح والفشل الذي طبع كل تجربة على حدة، وأغلب هذه الدراسات يكاد يجمع على تعثر التجارب في جميع البلدان التي مستها شظايا "الربيع العربي" إبان 2011.
كما أن هناك دراسات ذهبت إلى أن هذه البلدان تشهد "موجة ثورية" خاصة، وهي عبارة عن سلسلة من الثورات، التي تحدث في أماكن مختلفة في فترة زمنية متشابهة، وهذا ما وقع فعلا في سياق الموجة الثورية للربيع العربي، ذلك أن مفهوم "الموجة الثورية"، في علم الاجتماع السياسي، يقتضي وجود سلسلة من الهزات تتساوق زمنيا في مناطق مختلفة وفق سيرورة محددة قد تلهم في كثير من الحالات الثورات أو "الموجات الثورية" أو الثورات التي تحدث بعدها، إذ تُلهم الثورة الأولى الثورات الأخرى المتزامنة "أو التابعة لها" المتماثلة الأهداف. وقد درس هذا النوع الكثير من الباحثين من قبيل كرين برينتون وحنة آرندت وإريك هوفر وجاك جوديتشو.
في مقابل ذلك، فإن الفكرة التي يناقشها كتاب from democratic transition to democracy learning، الذي صدر مؤخرا - وهو من تنسيق الدكتور محمد الهاشمي من المغرب، الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي، والبروفيسور العربي صديقي من تونس، الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة إكستر ببريطانيا- تتمايز، إن لم نقل تختلف، جملة وتفصيلا، عما ذهب إليه الكثير من الباحثين في العلوم السياسية والاجتماعية في العالم العربي، وكذا في الغرب.
وهذا الكتاب، الذي نقدمه اليوم إلى القارئ، يعطي انطباعا منذ الوهلة الأولى بالتميز الحاصل في العلوم السياسية بالمنطقة المغاربية، خصوصا المغرب وتونس، اللذين عرفا مسارا مميزا بخصوص أحداث الربيع العربي، ناهيك عن كون المساهمين في الكتاب بمقالات بالإنجليزية أو الفرنسية، وأغلبهم من الدول المغاربية، يزيد من أهمية هذا الانطباع، إلى درجة القناعة بالدور الذي لعبته منطقة شمال إفريقيا، عبر التاريخ، من حيث المساهمات القيمة في الثقافات والحضارات الأورو-متوسطية.
وهذا يتبدى، من خلال مقدمتي الكتاب، اللتين كتباهما الدكتور الهاشمي والدكتور صديقي، إذ تقول المقدمة الأولى: "على غرار الحضارات الأخرى التي تعاقبت على المنطقة العربية، لعبت بلدان شمال إفريقيا، في لحظات معينة من التاريخ، دورا حاسما في مسارات انتقال وانتشار وتبادل المعرفة مع حضارات أخرى. هذه المسارات لم تكن أحادية الاتجاه، بل كانت تيارات تلاقح بينية. وما كان أثر هذا التلاقح بين الحضارات لينمحي أمام الانتقال الزاحف للأفكار التي تتخطى كل الحواجز، بل إنه بصم الخريطة الثقافية لمنطقة شمال إفريقيا".
وكما أنه "في الوقت الذي تعيش منطقة شمال إفريقيا لحظتها "الديمقراطية" و"الثورية"، يبدو من الملح أكثر من أي وقت مضى الوقوف عند مسألة تعلم الديمقراطية والتركيز على المقومات الذاتية لبناء المعرفة الديمقراطية وتسليط الضوء على التبادلات البينية بين الديمقراطيات، وهي جوانب لم تحظ بالاهتمام اللازم في خضم تحليل الأحداث التي وقعت بعد 2011" هكذا تقرر المقدمة الثانية.
ويبدو أنه، بالرغم من أن الكتاب أكاديمي صرف، فإن له أفقا "نضاليا" يسعى إلى تحرير العقل من الأفكار الاستشراقية ووصاية التاريخ الاستعماري، التي رانت على المنطقة وقتا طويلا، ظهرت أماراتها الكبرى في أسلوب وطريقة تناول "الموجة الثورية" للربيع العربي، الذي انطلق من شمال إفريقيا/ تونس.
ونقرأ هذه الفكرة ذات "الأفق النضالي" بطريقة أوضح في الكتاب، حيث يوضح بشكل جلي أن "المرحلة التي تجتازها منطقة شمال إفريقيا، اليوم، بما تعرفه من مراحل القطيعة والاستمرارية، تعد فرصة سانحة قل نظيرها من أجل تحرير المنطقة من الأفكار الاستشراقية الجاهزة ووصاية التأريخ الاستعماري".
ويضيف بشكل أوضح: "إن سمة الاستعلاء التي تطبع كتابات العديد من المستشرقين حول الشرق الأوسط لا زالت تهيمن على تمثل الغرب بخصوص الديمقراطية في الشرق. ولا زالت علاقة الشرق بالغرب ينظر إليها من زاوية التناقضات والاختلافات القائمة. وفي الغالب يتم تفضيل الغرب كمصدر وحيد لمعرفة مسألة الحكم الأمثل. في المقابل، لا ينظر إلى الشرق في علاقته بالغرب إلا باعتباره المرآة العاكسة لبعض الصور النمطية التي تلبي حاجة الغرب في النظر لنفسه وللآخرين".
وبهذا المعنى، يبدو الشرق كما لو وجد ليؤكد ويعكس ما يمثل ولا يمثل الغرب من مساوئ وتناقضات. إذ من خلال الصور النمطية التي شكلها الغرب عن الشرق على امتداد الاستشراق، يتم اختزال نقيض الغرب أو "اللاغرب"، بشكل عام، في مجرد هامش بسيط يرتبط، على الخصوص، بقضايا إعمال العقل والتنظير وإنتاج المعرفة.
ويمكن أن نلمس هذا الخط الناظم في الفكر الغربي من خلال العديد من الكتابات، التي اهتمت بالأنظمة السياسية ومجتمعات شمال إفريقيا والعالم العربي بشكل عام، وبالأخص، أعمال أخصائيي علم الانتقال وعلم الدعم.
وبصرف النظر عن استمرار هيمنة بعض الافتراضات المثيرة للجدل على مبحث الدراسات الديمقراطية وعلم الانتقال، فإن هناك جهودا جبارة تبذل بهدف الإفلات من حتمية الطابع الخطي والتبشيري اللاتاريخي، الذي يغلب على معظم أدبيات الانتقال الديمقراطي في علم السياسة الغربي، وهنا تكمن أهمية الكتاب ولا ريب.
ومن باب الإنصاف، فإن الكتاب يعلن عن وجود كتابات علمية، في الغرب طبعا، أقرت بوجود قدرة ذاتية نابعة من داخل المجتمعات المشرقية تساعدها على القيادة على التغيير أو التحول بنفسها.
وأشار الكتاب إلى أن الكثير من الكتابات تؤكد على الأبعاد السوسيولوجية للتعبئة الشعبية، ومن أبرزها الدراسات التي أبرزت تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على عولمة الاحتجاجات خلال الربيع العربي.
غير أن هذه التحليلات، بالرغم من نباهتها، لم تتمكن بعد من خلق تلاحم بين الغرب والشرق، ونقصد بهذا الإقرار بقدرة الشعوب العربية، عن وعي، على الاعتماد ليس فقط على موارد الشبكات الاجتماعية، بل، أيضا، على استلهام الدروس من تاريخها، وأن تغرف من مخزون الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان باعتباره يدخل ضمن المتاح للبشرية جمعاء.
ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن بعض الأبحاث، التي حاولت دراسة الربيع العربي، اهتمت بالجوانب التجريبية إبان الربيع العربي دون النظر في الإطار المفاهيمي والنظري للفاعلين فيه. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه التحاليل لا تستند على أي إطار "ميتا نظري" للتحولات السياسية التي تعرفها المنطقة.
إن الشرق، الذي يعتبر العالم العربي وشمال إفريقيا جزءا منه، لا يمكن اختزاله في "ورشة" أو "مختبر" لاختبار وتجريب الأفكار والنظريات الغربية التي نشأت في السياق الغربي. وهكذا يعتبر هذا الكتاب، المعنون بـfrom democratic transition to democracy learning، أن اللحظة الديمقراطية التي بشّرت بها الثورات في شمال إفريقيا تتطلّب نوعا من التلاقح البينيّ Pollinisation croisée، ذلك أن أخلاقيات التعدد والحكم الجيد والهوية الديمقراطية يستعصي حصرها في إطار مجال جغرافي واحد أو أنموذج معرفي واحد أو إثنية أو منطقة أو ديانة أو حضارة واحدة.
وتجمع أغلب الدراسات الواردة في الكتاب على أن الديمقراطية لا تزال موضوع اختلاف وجدال في السياق الشمال إفريقي والعربي بشكل عام، لكن هذا الأخير أصبح يسمح أكثر من أي وقت مضى بانبثاق فضاءات للتعبير عن بعض القيم والمثل الديمقراطية الأساسية، وهو ما يعني أن العالم العربي، اليوم، ليس معاديا لقيم وأخلاق الديمقراطية، وأن الغرب لم يعد يجسد النموذج الوحيد للديمقراطية.
وهكذا تُظهر المساهمات، التي يضمها هذا الكتاب، مقاربة إشكالية المعرفة الديمقراطية، ومن أجل ذلك حاول الباحثون اعتماد مجموعة من المسالك، يمكن أن نذكر من بينها على سيبل المثال لا الحصر:
- البحث في التبادلات غير المتكافئة بين الغرب والعالم العربي في مسارات التعلم والدمقرطة الجارية في الوقت الراهن.
- كيف تتجاوز المعارف الجديدة حول الديمقراطية، التي نشأت في سياق الربيع العربي، ما هو متعارف عليه في السياق الأوربي والأمريكي بخصوص الديمقراطية؟
- البحث في المسارات التي انخرط فيها الفاعلون (من العالمين العربي والغربي) من أجل خلق معارف جديدة بخصوص الديمقراطية تتلاءم مع اللحظة الديمقراطية الحالية.
الجدير بالملاحظة، اليوم، هو أن تقنيات المقاومة والخبرة الثورية سمحت بخلق فضاءات واسعة لالتقائية وتبادل المعارف. وهكذا يبدو أن الحركات الاجتماعية الجديدة من المغرب إلى مصر، تتعلم من بعضها البعض من أجل بناء نوع جديد من الحراكات والديناميات المجتمعية المنطلقة من الأسفل لمواجهة السلطوية.
ففي العديد من البلدان العربية تشكل المسلسلات الانتخابية، والإصلاحات الدستورية، ووضع بعض آليات العدالة الانتقالية، وبناء التحالفات المدنية مسارات تساهم في انبثاق هويات وقيم ديمقراطية. في المقابل، نجد أن الشك والتردد أخذا يخيمان على الفاعلين في برامج نشر الديمقراطية، حيث لم يعد بإمكانهم الظهور بمظهر من ينفرد بمجال الخبرة في الديمقراطية.
بناء على الاعتبارات سالفة الذكر، يمكن القول إن من بين كل القضايا التي تطرحها الدينامية السياسية، التي يعرفها العالم العربي، اليوم، لا توجد قضية تستحق اهتماما خاصا أكثر من مسألة المعرفة الديمقراطية كنقطة تحول اقتضت أن يتوقف عندها المساهمون في هذا الكتاب، في سبيل مقاربة تروم تناول المعرفة الديمقراطية باعتبارها إشكالية تستهدف استفهام سيرورة مسارات عمليات الاستيعاب والنقل وتبادل المعارف بين العالم العربي والغرب.

البوحسيني: "المقاطعة" فرصة لرفض سياسيات عمومية مثيرة للغضب

البوحسيني: "المقاطعة" فرصة لرفض سياسيات عمومية مثيرة للغضب
قالت الناشطة الحقوقية لطيفة البوحسيني إن النداء الذي وقعت عليه من أجل تعليق مقاطعة استهلاك "حليب سنطرال" هو استجابة لتعهد الشركة بمراجعة تركيبة الأثمنة، وإشراكها في ذلك كلا من المنتجين والمُستهلكين.
وأبرزت البوحسيني في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، ينشر لاحقا، أنها انخرطت في "المقاطعة" منذ البداية، عندما أطلقها أشخاص مجهولون، وقالت: "انخرطت باسمي الشخصي والعائلي، وبصورتي وبرصيدي وبكل الاهتمام والعنفوان، لأن هذه المقاطعة هي فرصة مهمة تتاح لنا كمغاربة من أجل التعبير عن غضب وعن احتجاج، وعن رفض لما تعيشه بلادنا على كل المستويات".
المتحدثة نفسها أكدت أن انخراطها في "المقاطعة" ليس فقط من أجل ترويج الفكرة في حد ذاتها، بل للتفكير فيها ومناقشتها وتأطيرها، كآلية جديدة للتعبير عن الاحتجاج الحضاري.
واستطردت البوحسيني: "سبق وأصدرنا نصا أوليا، بداية يونيو، أكدنا فيه أنه مطلوب منا أن نكون منخرطين ومنتبهين لما يخص أي مستجد في الساحة، وكان المستجد هو نزول المدير العام لشركة سنطرال، الذي جاء إلى المغرب، والتقى بالمستهلكين المغاربة وناقش معهم، وجاء لينصت للمقاطعين ويحترم رفض المغاربة السعر الذي تطبقه الشركة".
وبخصوص الشركتين المتبقيتين المعنيتين بـ"المقاطعة"، قالت البوحسيني: "اعتبرنا أنه سيكون مفيدا أن نستغل هذا المقترح من طرف شركة سنطرال لتقوية المقاطعة والضغط على الشركتين الأخريين لتقترحا بدائل حقيقية تخفض الثمن".
وعلقت الناشطة الحقوقية على الردود التي صاحبت توقيعها على بيان "تعليق المقاطعة"، والتي اتهمتها بـ"الخيانة والارتزاق والبعد عن الوطنية"، بالقول: "ما لم نكن نتوقعه هو أن يخوض الناس في سيرة أصحاب المبادرات، وما بين عشية وضحاها كنا مناضلين وصرنا خائنين".
جدير بالذكر أن الحقوقية لطيفة البوحسيني كانت من بين الفعاليات المنتمية إلى مجالات مختلفة المتجاوبة مع مقترحات "شركة سنطرال" بالتوقيع على "بيان تعليق المقاطعة".

المصحات ترصد عراقيل التطوير .. التشريع والعقار والضرائب والتأمين

المصحات ترصد عراقيل التطوير .. التشريع والعقار والضرائب والتأمين
عبر مسؤولو الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة عن قلقهم من استمرار الإكراهات والصعوبات التي تقوّض مجهودات القطاع الطبي الخاص، والمرتبطة بالكلفة العالية للعقار والنظام الضريبي الذي وصفه المهنيون بـ"غير العادل"، والذي يثقل كاهل المصحات الخاصة.
واعتبر التنظيم نفسه أن القانون المتعلق بمزاولة مهنة الطب 131.13، الذي أتاح إمكانية فتح المصحات الخاصة للمستثمرين غير الأطباء، "لم يف بوعوده في تطوير المنظومة الصحية في المغرب".
وأوضحت الجمعية، في ندوة صحافية بأحد فنادق الدار البيضاء، أن القانون المذكور، الذي خرج إلى حيز الوجود قبل 3 سنوات من الآن، في عهد وزير الصحة السابق الحسين الوردي، "لم يقدم أي إضافة في الجانب المتعلق بمنح المستثمرين إمكانية ولوج هذا المجال".
رضوان السملالي، رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، شدد على أن "هذه الإكراهات تساهم في إبطاء وتيرة ودينامية إحداث مصحات خاصة، وتعرقل تطور القطاع"، قائلا إنه جرى، في ظل هذا الوضع الجديد، "تسجيل تراجع عكسي، أخذا بعين الاعتبار أن هذا القانون أدى إلى تعطيل وتعثر مساطر فتح المصحات الخاصة، وسجل تأخرا في النصوص التطبيقية".
وأكد المتحدث أنه "من غير المعقول القبول بتحميل المرضى والمؤسسات الاستشفائية ثقل الضريبة على القيمة المضافة، لأن نظاما ضريبيا بهذا الشكل، إضافة إلى كلفة ثقيلة للاستثمارات الطبية هي في تنام متواصل، سيرخي لا محالة بظلاله على تطور عرض العلاجات بالقطاع الخاص، وسيؤدي بدون شك إلى خلق مشاكل حقيقية تؤثر على نموه".
وأشار السملالي إلى أن القطاع الخاص، الذي يضم أزيد من 600 مصحة، يستقبل 90 في المائة من المواطنين المؤمّنين المتوفرين على تغطية صحية، ويتكفّل بحوالي 60 في المائة من المرضى، وزاد أن المصحات الخاصة تضع رهن إشارة المغاربة 9600 سرير طبي من مجموع الأسرّة الاستشفائية، التي تقدّر عموما بحوالي 36 ألفا، إضافة إلى الإمكانيات التقنية و"التجهيزات البيوطبية الحديثة"، والتي تساهم في الاستجابة لحاجيات المرضى على نحو أفضل.
رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة ذكر أن "العديد من المستثمرين، من غير الأطباء، كانوا يعتقدون أن المجال مدر للدخل، فسارعوا إلى اقتناء مصحات في الدار البيضاء ومراكش، وغيرها، إلا أنهم شرعوا في بيعها بعد ذلك"، وأن "النظام الضريبي، بالإضافة إلى كلفة الاستثمارات الطبية المتنامية، سيؤدي بلا شك إلى خلق مشاكل حقيقية تؤثر على نمو القطاع".
واشتكى السملالي من كون "المردودية عالية الجودة للقطاع الخاص، التي تهدف إلى خدمة صحة المواطنين والمساهمة في تطوير المنظومة الصحية، لا يواكبها بشكل ناجع نظام التأمين الصحي المعتمد منذ 10 سنوات".
في معرض تطرقه للموضوع استطرد: "التعريفة المرجعية الوطنية المعتمدة لم تعد تسمح بتأمين تكفل صحي بالجودة المطلوبة، وسلّة العلاجات الجامدة باتت غير قادرة على مواكبة مراجع الممارسة السليمة الحديثة، وهو ما يجعل من مراجعة التعريفة المرجعية خطوة أساسية وضرورية لتمكين المريض المغربي من الولوج إلى علاجات مرنة لا يكون مطالبا بعدها بتحمل باقي التكاليف العلاجية".
وتابع المتحدث ذاته: "لقد ساهم القطاع الخاص، أيضا، في بلورة شراكات مع القطاع العام، كما هو الشأن بالنسبة لحصص تصفية الكلي، المعروفة بـ"الدياليز"، وهو ما سمح للمرضى المستفيدين من نظام المساعدة الطبية "راميد" بإجراء حصص غسيل الكلي بمصحات القطاع الخاص، وذلك في إطار اقتناء الخدمات من طرف وزارة الصحة، والتي عرفت نجاحا كبيرا، الأمر الذي مكّن من تقليص لوائح الانتظار بالمستشفيات العمومية وساهم في إنقاذ حياة كثير من المرضى".
كما أكد المتحدث نفسه الانتباه أن "هذه الشراكة بين القطاعين، العام والخاص، يتم السعي من طرف الجمعية إلى تعميمها على مجالات صحية أخرى، وذلك لتحسين ولوج المرضى المغاربة إلى العلاج وتجويد الخدمات الصحية المقدمة لهم".

حكم إفراغ يهدد مالك منزل استضاف الحسن الثاني في القصر الكبير

حكم إفراغ يهدد مالك منزل استضاف الحسن الثاني في القصر الكبير
منذ أزيد من 16 عاما وأحمد الشرادي وأفراد أسرته الصغيرة يُصبحون ويُمسون على كابوس احتمالِ انتزاع بيت منه قدّم مجموعة من الوثائق التي تُثبت مِلكيته له منذ أكثر من خمسة عقود من الزمن، يقع في حي المعسكر القديم، الباب الكبير، بمدينة القصر الكبير.
يقول الشرادي في طلب إنصاف وجّهه إلى الملك محمد السادس بتاريخ 16 نونبر 2016، إنه أصبح وأسرتَه، المكونة من زوجة وثلاثة أطفال، على حافة التشرد، بعد حُكم صدر ضده بإفراغ بيته الواقع على مساحة تقدر بـ1500 متر مربع.
ويضيف المشتكي أن البيت الذي أضحى مهددا بفقدانه كان ضمْن الجناح المخصص للعائلة الملكية ضمن السكن الوظيفي الخاص بباشا مدينة القصر الكبير، في سبعينات القرن الماضي، وسبق أنْ حلّ به الملك الراحل الحسن الثاني، رفقة ولي عهده آنذاك، الملك الحالي محمد السادس، أثناء زيارتهما إلى القصر الكبير سنة 1975.
وأكّد المتحدث أنّ عائلته تركت البيت بأثاثه ليقيم فيه الملك رفقة ولي عهده ثلاثة أيام، مضيفا: "ولي العهد آنذاك كان يلعب في بهو بيتنا، برفقة شقيقه الأمير مولاي رشيد، وهو شاهد على أنّ البيت الذي تقطن فيه أسرتي حاليا هو بيتنا".
ويعود سبب الكابوس الذي يقضّ مضجع أحمد الشرادي، منذ 16 عاما، إلى "رغبة أحد باشوات مدينة القصر الكبير في الاستيلاء على الوعاء العقاري الذي يوجد عليه المنزل، كرد فعل منه على عدم انصياعنا لأطماعه العقارية المخالفة للقانون"، كما جاء في طلب الإنصاف الذي وجه إلى الملك محمد السادس.
وقال الشرادي، في تصريح لهسبريس، إنّ الباشا سالف الذكر استغلّ نفوذه وأقحم الأملاك المخزنية لنزع منزله منه في أواخر تسعينيات القرن الماضي، مقدما وثائق تثبت أنه يقطن في هذا البيت منذ سنة 1962، السنة التي وُلد فيها، وما يزال يقطن فيه إلى اليوم.
وأوضح المتحدث ذاته أنّ الباشا حاول استمالة السلطات المحلية، ممثلة في العمالة، لتقف إلى جانبه، لكنها أبَتْ بعدما تبّين لها أن صاحب المنزل يملك كل الأدلة التي تثبت أن المنزل في ملكيته، قبل أن يلجأ الباشا إلى الأملاك المخزنية.
وأردف أنّ الأملاك المخزنية حصلت على حُكم من المحكمة بتحفيظ الوعاء العقاري الذي يوجد عليه بيته، وبيوت مجموعة من المواطنين القاطنين في حي المعسكر القديم بالقصر الكبير، ومساحته 9 هكتارات، لكنّ الغريب في الأمر هو أنّ لا أحد من المواطنين المقيمين على هذا العقار لديهم مشكل مع الأملاك المخزنية سواه وحده.
ويملك أحمد الشرادي وثيقة تثبت أنه يكتري الأرض التي يقيم عليها من الأملاك المخزنية، كغيره من جيرانه، ويتساءل ما إذا كانت هناك جهات أخرى تريد أن تنزع منه بيته، بعد أن غادر الباشا وأحيل على التقاعد.
"لم أعُدْ أعرف من ينازعني في ملكية بيْتي. في الواجهة أرى الأملاك المخزنية، لكني أملك جميع الوثائق التي تثبت أنني صاحبُ حق، ولا أعرف هل هناك جهات أخرى تريد الاستيلاء على بيتي وعلى الوعاء العقاري الذي يقع فوقه"، يقول الشرادي، مناشدا الملك التدخل لحمايته "من تلك الأيادي الخفية التي تحاول الإجهاز على حقي"، وفق تعبيره.

عباسي يحمل المستثمرين مسؤولية قلّة القاعات السينمائية في المملكة

عباسي يحمل المستثمرين مسؤولية قلّة القاعات السينمائية في المملكة
قال نسيم عباسي، مخرج فيلم "ماجد"، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إن قلة دور العرض تعود إلى تحفظ الخواص عن الاستثمار في هذا المجال.
وعن فيلمه الجديد "عمي"، أعرب المخرج الريفي ابن تمسمان عن فخره بحصول فيلمه على عقد توزيع عربي، مضيفا أنه يعتبر هذه التجربة تكريما لمسار عملاق الكوميديا المغربية عبد الرحيم التونسي، المعروف بـ "عبد الرؤوف"، بعد أن طاله التهميش والنسيان.
هذا نص الحوار:
عدت للتو من العاصمة الأردنية عمان لتلبية دعوة مؤسسة عبد الحميد شومان في إطار ليالي الفيلم العربي، حدثنا عن المهرجان..
كان استقبالا يرقى إلى مستوى المهرجان، سعدت بدعوتهم، خصوصا وأنني كنت متوجا من هذا المهرجان سنة 2015 عن فيلمي السينمائي الأول "ماجد"، وحصلت على جائزة البوبيل الفضي، لأشارك اليوم كضيف شرف، وأحضر عرض فيلم "عمي" الذي لاقى استحسان الجمهور الأردني ولجنة تحكيم المهرجان. أشكرهم على الحفاوة وكرم الضيافة.
للإشارة فقط، المشاهد الأردني استمتع بمناظر العاصمة الرباط، وقالوا إن هذا العمل سينعش السياحة المغربية بعد عرضه عربيا. سررت جدا بذلك وأتمنى أن يكون الأمر حقيقة.
"ماجد" حصد نجاحا كبيرا وعرض في تظاهرات فنية دولية ومهرجانات كبرى، هل تتوقع النجاح نفسه لفيلمك الثاني "عمي"؟
لأكون صريحا معك، ينتمي فيلم "عمي" لصنف الكوميديا، وما يضحك هنا قد لا يضحك هناك، أي إن إضحاك المغاربة لا يكون بالطريقة نفسها التي يضحك بها الأجانب. إلى حد الآن الجمهور الأردني تفاعل مع المواقف المضحكة، لكن هل سنتوفق في ذلك مع باقي الجماهير العربية والأجنبية؟ الله أعلم.
"عمي" سلط الضوء على واقع الصناعة السينمائية بالمغرب في قالب ساخر، هل يمكن أن ندرجه في خانة الكوميديا السوداء؟
نعم أكيد، فالكوميديا السوداء وسيلة فنية لتمرير الانتقادات والأفكار البناءة بأسلوب سلس، والفيلم تضمن مواقف عديدة تعكس صعوبة الواقع المرير وقساوته لكن في قالب هزلي، وهذا هو الهدف من وراء الفيلم أساسا.
ما سر تعاملك مع الوجوه نفسها في جل إنتاجاتك الفنية، الحديث هنا عن "عالية الركاب" و"عبد الرؤوف"؟
عبد الرحيم التونسي يجسد في مخيلتي مرحلة عمرية جميلة حين كنت أنا وأبي نستمتع بمسرحياته على المذياع ونضحك كثيرا؛ فبعد عودتي من انجلترا، التقيته وتفاجأت بالتهميش الذي يعانيه هذا الفنان الموهوب، وجدته محبطا فقررت تكريمه من خلال منحه دورا أساسيا في أحد أفلامي المقبلة.
بدايتي الفعلية في الاشتغال معه كانت من خلال فيلم "بلا حدود"، لأكتشف حينها ثقافته الواسعة وشخصيته الإنسانية الخفية غير تلك التي يعرفها الجمهور المغربي. وعليه، قررت أن أمنحه دور البطولة في فيلمي الجديد الذي كتبته بعد أن التقيت به.
بالنسبة لعالية الركاب اكتشفت أداءها وأنا ما أزال في انجلترا من خلال دورها في فيلم" قلق" لمخرجه حكيم نوري إلى جانب يونس مكري، أعجبني تشخيصها السلس والمرن، لا يظهر عليها أبدا أنها تجسد دورا ما، على العكس تبدو طبيعية جدا في أدائها. التقيتها صدفة خلال تصويرها لأحد الأفلام المغربية وعرضت عليها الاشتغال معي في فيلم "بلا حدود"، لأتعرف على شخصية طيبة، متعاونة وصبورة.
ما الذي يميز عالية عن غيرها؟ أو بالأحرى ماذا أضافت "عالية الركاب" للفيلم بشخصيتها؟
حقيقة كان بينها وبين عبد الرؤوف انسجام رهيب جعلت الكل يصدق أنه عمها، حتى هي حين شاهدت الفيلم إلى جانبي في الأردن استغربت لهذا الانسجام.
ألم يغامر نسيم عباسي بمنح البطولة لنجوم من الشاشة الصغيرة لم يسبق لهم خوض تجربة السينما؟
صراحة لا أجد أن في الفنانين المغاربة من هو نجم سينمائي دون غيره، الوحيد الذي أعتبره نجم شباك بامتياز هو "عزيز داداس"، بدليل أن جل المنتجين والموزعين يشترطون وجدوه إلى جانب فريق العمل، وأنا اشتغلت معه كثيرا وأفتخر بذلك.
الريف دائما حاضر في أعمالك الفنية، لماذا هذا التوجه؟
صحيح، ملاحظة جيدة، أنا ابن المنطقة، تحديدا تمسمان. فإن لم أحاول أنا كريفي أن أرد اعتبار المنطقة من خلال أفلامي، من سيفعل ذلك؟
عرفت الساحة السينمائية وجها جديدا، يسرى طارق التي لها التوجه نفسه الذي لديك، هل من الممكن أن تتعاملا معا؟
أتمنى ذلك، يسرى محبوبة وموهبة تستحق التشجيع، التقيتها منذ أربع سنوات، كانت المقدمة الرسمية لتلك النسخة من مهرجان الناظور، كما أتمنى أن أتعامل مع الطاقات الريفية عامة إن سمحت الظروف بذلك.
بدايتك مع الإخراج كانت من الامبراطورية التي لا تغيب عنها للشمس لندن، فيم تختلف الصناعة السينمائية المغربية عن نظيرتها البريطانية؟
المقارنة جد صعبة، لأن السينما البريطانية عريقة وتاريخها يشهد لها بذلك؛ فـ"هيتشكوك"، عراب السينما البريطانية، يترجم احترافية هذه الصناعة في هذا البلد. بالمناسبة هو مثلي الأعلى، لهذا اخترت بريطانيا وجهة لأدرس أصول الإخراج.
لماذا لا تخوض السينما المغربية غمار المنافسة الدولية بريادة؟
المنافسة في المهرجانات إن ارتبطت بالحضور فحقيقة هي حاضرة، وإن تعلقت بالجوائز فنحن لم نرتق بعد لحصد جوائز عالمية كالسعفة الذهبية أو الجائزة الكبرى لمهرجان البندقية، لكن أظن أننا نشق الطريق بثبات.
أزمة المجال السينمائي وفرة الأعمال وقلة دور العرض، أليس كذلك؟
صحيح، بالمناسبة كان هذا موضوع نقاشنا بعد عرض الفيلم في عمان، فنحن نعاني أزمة التوزيع. سأعطيك مقارنة بسيطة تكشف مأساة الوضع في المغرب؛ فدور العرض بالعاصمة الأردنية عمان وحدها يفوق عددها عدد دور العرض بالمغرب برمته، وهنا يكمن الخلل، وأنا صراحة لا أحمّل مسؤولية ذلك للجهات الحكومية، فالقطاع الوصي يعمل ما بوسعه لتجاوز مثل هذه الأزمات وغيرها للنهوض بالمجال، بل ألوم الخواص الذين يتحفظون على الاستثمار فيه.
أيمكن أن نعتبر نسيم عباسي سفيرا للسينما المغربية في المحافل الدولية بالنظر إلى كثرة المهرجانات التي تتوج وفيها أفلامك أو تكرم؟
أنا محظوظ أن أكون من بين المخرجين المغاربة الذي تعرض أفلامهم في المهرجانات العربية والعالمية، لكنني لست الوحيد، وأتمنى أن أشرف بلدي. فأنا أشتغل جديا على مشاريعي الفنية لترقى إلى المستوى المطلوب.
ماذا عن مشروع فيلمك التاريخي السيدة الحرة؟
هو مشروع ضخم أنا بصدد الاشتغال عليه، هي رواية لكاتبها "البشير الدامون"، قررنا الاشتغال عليها سويا. جاءت فكرة التيمة: الاشتغال على شخصية طبعت تاريخ المغرب، من خلال اقتراح مشاهدة، أنا صراحة لم أكن أعرف من هي السيدة الحرة، فبدأت البحث في كل ما يخصها عبر وثائق تاريخية، أفلام، روايات... لأكتشف مفخرة مغربية. بالمناسبة، أنا أسميت نجلتي "حرة" تيمنا بهذه المرأة العظيمة.
وهذا الفيلم هو أول تجربة سينمائية تاريخية في مشواري، أتمنى أن يكون الأجمل والأكثر إتقانا من حيث الحبكة والصورة. سأبدأ تصويره حالما تسمح الظروف المادية.

أخبار اليوم