نحا الإمام مالك منحى فقهاء أهل المدينة في الأصول التي بنى عليها اجتهاده، واتخذت بعده
أساسا لمذهبه. والأدلة التي اعتمدها علماء المدينة في عمومهاً هي نفس الأدلة التي
اعتمدها غيرهم من أهل السنة والجماعة؛ هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وإنما اختلفوا عن غيرهم من أهل
الرأي في مدى الاعتماد على الحديث، وشروط قبوله والعمل به، ثم اللجوء
إلى القياس ومتى يكون حجة. وتميز المذهب المالكي بالاعتماد على عمل أهل المدينة.
- الأصول النقلية
- الأصول العقلية
- النظر المقاصدي في المذهب المالكي
كان للإمام مالك منهج في الاستنباط الفقهي لم يدونه كما دون بعض
مناهجه في الرواية، ولكن مع ذلك صرح بكلام قد يستفاد منه بعض منهاجه، فقد ألمح إلى
ذلك وهو يتحدث عن كتابه "الموطأ": "فيه حديث رسول الله وقول الصحابة والتابعين ورأيي، وقد تكلمت برأيي، وعلى الاجتهاد، وعلى
ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره".
فهذه العبارة من الإمام تشير إلى
بعض الأصول التي استند إليها في اجتهاداته واستنباطاته الفقهية وهي: السنة، وقول
الصحابة، وقول
التابعين، والرأي والاجتهاد، ثم عمل أهل المدينة.
ولقد صنع فقهاء المذهب المالكي في
فقه مالك ما صنعه فقهاء المذهب الحنفي، فجاؤوا إلى الفروع وتتبعوها، واستخرجوا
منها ما يصح أن يكون أصولا قام عليها الاستنباط في مذهب مالك، ودونوا تلك الأصول
التي استنبطوها على أنها أصول مالك، فيقولون مثلا: كان يأخذ بمفهوم المخالفة، أو
بفحوى الخطاب، أو بظاهر القرآن. كما نجدهم يقولون في كل قاعدة رأي مالك فيها
كذا، وليس ذلك ما أخذوه من جملة الفروع.. ومن مجموع تلك الآراء تتكون أصول المذهب
المالكي التي قامت عليها أصول المالكية، والتي قام عليها التخريج من المتقدمين
والمتأخرين في ذلك المذهب.
ولعل أدق إحصاء لأصول المذهب
المالكي هو ما ذكره "القرافي" في كتابه "شرح تنقيح الفصول"
حيث ذكر أن أصول المذهب هي القرآن والسنة والإجماع وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع والاستصحاب والاستحسان
الأصول النقلية
- القرآن: يلتقي الإمام مع جميع الأئمة المسلمين في كون كتاب الله عز وجل هو أصل الأصول، ولا أحد أنزع منه إليه، يستدل بنصه،
وبظاهره ويعتبر السنة تبيانا له.
- السنة النبوية: أما السنة ومفهومها عند الإمام مالك فطبيعي أن يسير في فهمها على ما سار عليه السلف وعامة المحدثين الذين كان من أئمتهم وأقطابهم، غير أنه ربما عمم
في السنة لتشمل ما يعرف عند علماء الحديث بالمأثور. وهو بهذا المعنى يعطي لعمل أهل
المدينة وإجماعهم مكانة
خاصة، ويجعل من قبيل السنة كذلك فتاوىالصحابة، وفتاوى كبار التابعين الآخذين عنهم، كسعيد بن
المسيب، ومحمد بن شهاب الزهري، ونافع،
ومن في طبقتهم ومرتبتهم العلمية، كبقية الفقهاء
السبعة.
- عمل أهل المدينة: من الأصول التي انفرد بها مالك واعتبرها
من مصادر فقه الأحكام والفتاوى. وقسّم الإمام الباجي عمل أهل
المدينة إلى قسمين: قسم
طريقه النقل الذي يحمل معنى التواتر كمسألة الآذان، ومسألة الصاع، وترك إخراج
الزكاة من الخضروات، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل واتصل العمل بها
في المدينة على وجه لا يخفى مثله، ونقل نقلا يحج ويقطع العذر. وقسم نقل من
طريق الآحاد، أو ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد، وهذا لا فرق فيه بين علماء
المدينة، وعلماء غيرهم من أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح. ولذلك
خالف مالك في
مسائل عدة أقوال أهل المدينة(3).
- الإجماع: لعل مالكًا أكثر الأئمة الأربعة ذكرا للإجماع واحتجاجا به، والموطأ خير شاهد على ذلك. أما مدلول كلمة الإجماع عنده فقد قال:
"وما كان فيه الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه أهل الفقه والعلم
ولم يختلفوا فيه".
- شرع من قبلنا: ذهب مالك على أن شرع من قبلنا شرع لنا.
الأصول العقلية
كان للإمام مالك منهج اجتهادي متميز
يختلف عن منهج الفقهاء الآخرين، وهو وإن كان يمثل مدرسة الحديث في المدينة ويقود تيارها، فقد كان يأخذ بالرأي ويعتمد عليه، وأحيانا توسع في الرأي أكثر ما
توسع فيه فقهاء
الرأيفي العراق، كاستعماله الرأي والقياس فيما اتضح معناه من الحدود والكفارات مما لم
يقل به علماء المذهب الحنفي. ومن الأصول العقلية المعتمدة في المذهب المالكي:
- القياس: يعتبر القياس على الأحكام الواردة في الكتاب المحكم والسنة
المعمول بها، طبقا للمنهج الذي قاس عليه علماء التابعين من قبله.
- الاستحسان: لقد اشتهر على ألسنة فقهاء المذهب
المالكي قولهم:
"ترك القياس والأخذ بما هو أرفق بالناس" إشارة إلى أصل الاستحسان؛
لأن الاستحسان في المذهب المالكي كان لدفع الحرج الناشئ عن اطراد القياس، أي
أن معنى الاستحسان طلب الأحسن للإتباع.
- المصالح
المرسلة: من أصول مذهب مالك المصالح المرسلة، ومن
شرطها ألا تعارض نصًا. فالمصالح المرسلة التي لا تشهد لها أصول عامة وقواعد
كلية منثورة ضمن
الشريعة، بحيث تمثل هذه المصلحة الخاصة واحدة من جزئيات هذه الأصول والقواعد العامة.
سد الذرائع: هذا أصل من الأصول التي أكثر مالك الاعتماد
عليه في اجتهاده الفقهي، ومعناه المنع من الذرائع، أي المسألة التي ظاهرها الإباحة
ويتوصل بها إلى فعل ممنوع، أي أن حقيقة سد الذرائع التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة..
- العرف والعادة: إن العرف أصل من أصول الاستنباط عند مالك، وقد انبنت
عليه أحكام كثيرة؛ لأنه في كثير من الأحيان يتفق مع المصلحة، والمصلحة أصل
بلا نزاع في المذهب المالكي.
- الاستصحاب: كان مالك يأخذ بالاستصحاب كحجة، ومؤدى هذا الأصل هو بقاء الحال
على ما كان حتى يقوم دليل يغيّره.
قاعدة مراعاة الخلاف: من بين الأصول التي اختلف المالكية بشأنها
"قاعدة مراعاة الخلاف"، فمنهم من عدها من الأصول ومنهم من أنكرها.
ومعناها "إعمال دليل في لازم مدلول الذي أعمل في نقيضه دليل آخر".
ومثاله: إعمال المجتهد دليل خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشغار في لازم مدلوله الذي
هو ثبوت الإرث بين الزوجين المتزوجين بالشغار فيما إذا مات أحدهما. فالمدلول هو
عدم الفسخ وأعمل مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر. فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت
الإرث إذا مات أحدهما.
خصائص المذهب المالكي
يتميّز مذهب إمام دار الهجرة بعدة خصائص جعلته متميزا عن بقية مذاهب
أهل السنة ولعل أهمها :
أولا - خصوصيات المذهب على مستوى أصول الفقه
يمتاز المذهب المالكي على مستوى أصول الفقه بعدة مزايا وخصوصيات من أهمها:
1-: وفرة مصادره و كثرة أصوله المتمثلة في الكتاب و السنة و إجماع الأمة وعمل أهل المدينة والقياس و لاستحسان والاستقراء وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف وعمل أهل المدينة والأخذ بالأحوط ومراعاة الخلاف. بالإضافة إلى القواعد العامة المتفرعة عنها والتي أنهاها بعض المالكية إلى ألف و مائتي قاعدة تغطي جميع أبواب الفقه ومجالاته.
هذه الكثرة أغنت الفقه المالكي و أعطته قوة وحيوية و وضعت بين أيدي علمائه من وسائل الاجتهاد وأدوات الاستنباط ما يؤهلهم لبلوغ درجة الاجتهاد ويمكنهم من ممارسته ويسهل عليهم مهمته.
وإذا كانت بعض المذاهب شاركت المذهب المالكي في بعض هذه الأصول فإن ميزة الفقه المالكي تكمن في الأخذ بجميع هذه الأصول بينما غيره لم يأخذ إلا ببعضها ورد الباقي.
2-: تنوع هذه الأصول والمصادر فإنها تتراوح بين النقل الثابت والرأي الصحيح المستمد من الشرع والمستند إليه كالقياس. هذا التنوع في الأصول والمصادر والمزاوجة بين العقل والنقل والأثر والنظر وعدم الجمود على النقل أو الانسياق وراء العقل هي الميزة التي ميزت المذهب المالكي عن مدرسة المحدثين ومدرسة أهل الرأي وهي سر وسطيته وانتشاره والإقبال الشديد عليه وضرب أكباد الإبل إلى إمامه في أيام حياته.
3-: توسعه في استثمار الأصول المتفق عليها توسعا كبيرا مما ساعد ويساعد على سد الفراغ الذي يمكن أن يحس به المجتهد عند ممارسة الاجتهاد والاستنباط، وهكذا نجده في التعامل مع الكتاب والسنة لا يكتفي بالنص والظاهر بل يقبل مفاهيم المخالفة والموافقة وتنبيه الخطاب كما يقبل دلالة السياق ودلالة الاقتران والدلالة التبعية، وقد استدل بقوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) على عدم وجوب الزكاة في الخيل لاقترانها بالحمير التي لا زكاة فيها ،كما توسع في باب القياس فقبل أنواعا من القياس لا يقبلها غيره ولم يخصه بباب من أبواب الفقه ولا نوع من أنواع الحكم.
بينما نجد كثيرا من الفقهاء يردون بعض أنواع القياس ويضيقون مجالات المقبول عندهم. فلا يقبلون القياس على ما ثبت بالقياس ولا القياس المركب والقياس على مخصوص وقياس العكس. ولا يجيزون القياس في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات والأسباب والشروط والموانع.
ثانيا: في خصوصياته على الصعيد الفقهي :
1-: رحابة صدره و انفتاحه على غيره من المذاهب الفقهية والشرائع السماوية السابقة و اعترافه بالجميع و استعداده للتعايش معه والاستفادة منه بفضل قاعدة شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ التي اتخذها مالك أصلا من أصوله التي بنى عليها ماله و أسس عليها فقهه و انطلاقا من إيمانه بحرية الاجتهاد و وجوبه و أنه لا يقلد مجتهد غيره،و أن المصيب واحد كما يراه مالك و أكثر علماء الأصول يتجلى ذلك:
1- في اتخاذ شرع من قبلنا شرعا لنا ما لم يرد ناسخ، وهكذا أخذ المالكية بمشروعية الجعالة والكفالة من شريعة يوسف كما حكاه الله عنه في قوله: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم. كما استدلوا على مشروعية قسمة مهيأة بقول صالح: هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. وعلى جواز الإجازة والنكاح على منافع بقول صاحب مدين: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج.
2- في إباحته الاقتداء بالمخالف في الفروع و لو ترك شرطا من شروط الصلاة أو ركنا من أركانها في الفقه المالكي إذا كان الإمام لا يراه شرطا ولا ركنا في مذهبه، الصلاة وراء من نام ولم يتوضأ أو لا يقرأ الفاتحة في الصلاة أو يفتتح الصلاة بغير تكبيرة الإحرام على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
3- في رفضه تكفير المسلمين بالذنب و الهوى فقد سئل مالك عن المعتزلة أكفار هم؟ قال من الكفر فروا.
4- في تصحيحه حكم المخالف لمذهب مالك ومنع نقضه وإن خالف المشهور أو الراجح في المذهب المالكي، وهي القاعدة المعروفة بحكم الحاكم يرفع الخلاف المشار لها بقول خليل ورفع الخلاف لا أحل حراما.
5- فيما قرره الفقه المالكي في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن المختلف فيه لا يجب فيه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تحقق التعايش بين المذاهب والطوائف المختلفة وتحفظها من الصراع المذهبي والطائفي.
6- فيما قرره الفقه المالكي أيضا أنه إذا لم يوجد نص للمالكية في النازلة المعروضة فإنه يعمل فيها بالفقه الشافعي أو الحنفي على خلاف بينهم.
7- في رفض مالك فرض مذهبه وموطئه على جميع الأمة حين عرض عليه الخليفة العباسي ذلك واعتذر مالك عن ذلك .
8- في استحسانه العمل برأي المخالف ابتداء في بعض مواطن الخلاف من باب الورع والخروج من الخلاف، قراءة البسملة سرا، وقراءة الفاتحة خلف الإمام للخروج من خلاف الشافعي.
9- في قبوله رواية المبتدع إذا لم يكن داعية لمذهبه و لم يكن ممن يستحل الكذب .
10- في إباحته الخروج عن المذهب و العمل بقول المخالف عند الحاجة وفي بعض القضايا التي يصعب فيها الأخذ بالفقه المالكي أو لغير ذلك من الأسباب
أولا - خصوصيات المذهب على مستوى أصول الفقه
يمتاز المذهب المالكي على مستوى أصول الفقه بعدة مزايا وخصوصيات من أهمها:
1-: وفرة مصادره و كثرة أصوله المتمثلة في الكتاب و السنة و إجماع الأمة وعمل أهل المدينة والقياس و لاستحسان والاستقراء وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف وعمل أهل المدينة والأخذ بالأحوط ومراعاة الخلاف. بالإضافة إلى القواعد العامة المتفرعة عنها والتي أنهاها بعض المالكية إلى ألف و مائتي قاعدة تغطي جميع أبواب الفقه ومجالاته.
هذه الكثرة أغنت الفقه المالكي و أعطته قوة وحيوية و وضعت بين أيدي علمائه من وسائل الاجتهاد وأدوات الاستنباط ما يؤهلهم لبلوغ درجة الاجتهاد ويمكنهم من ممارسته ويسهل عليهم مهمته.
وإذا كانت بعض المذاهب شاركت المذهب المالكي في بعض هذه الأصول فإن ميزة الفقه المالكي تكمن في الأخذ بجميع هذه الأصول بينما غيره لم يأخذ إلا ببعضها ورد الباقي.
2-: تنوع هذه الأصول والمصادر فإنها تتراوح بين النقل الثابت والرأي الصحيح المستمد من الشرع والمستند إليه كالقياس. هذا التنوع في الأصول والمصادر والمزاوجة بين العقل والنقل والأثر والنظر وعدم الجمود على النقل أو الانسياق وراء العقل هي الميزة التي ميزت المذهب المالكي عن مدرسة المحدثين ومدرسة أهل الرأي وهي سر وسطيته وانتشاره والإقبال الشديد عليه وضرب أكباد الإبل إلى إمامه في أيام حياته.
3-: توسعه في استثمار الأصول المتفق عليها توسعا كبيرا مما ساعد ويساعد على سد الفراغ الذي يمكن أن يحس به المجتهد عند ممارسة الاجتهاد والاستنباط، وهكذا نجده في التعامل مع الكتاب والسنة لا يكتفي بالنص والظاهر بل يقبل مفاهيم المخالفة والموافقة وتنبيه الخطاب كما يقبل دلالة السياق ودلالة الاقتران والدلالة التبعية، وقد استدل بقوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) على عدم وجوب الزكاة في الخيل لاقترانها بالحمير التي لا زكاة فيها ،كما توسع في باب القياس فقبل أنواعا من القياس لا يقبلها غيره ولم يخصه بباب من أبواب الفقه ولا نوع من أنواع الحكم.
بينما نجد كثيرا من الفقهاء يردون بعض أنواع القياس ويضيقون مجالات المقبول عندهم. فلا يقبلون القياس على ما ثبت بالقياس ولا القياس المركب والقياس على مخصوص وقياس العكس. ولا يجيزون القياس في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات والأسباب والشروط والموانع.
ثانيا: في خصوصياته على الصعيد الفقهي :
1-: رحابة صدره و انفتاحه على غيره من المذاهب الفقهية والشرائع السماوية السابقة و اعترافه بالجميع و استعداده للتعايش معه والاستفادة منه بفضل قاعدة شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ التي اتخذها مالك أصلا من أصوله التي بنى عليها ماله و أسس عليها فقهه و انطلاقا من إيمانه بحرية الاجتهاد و وجوبه و أنه لا يقلد مجتهد غيره،و أن المصيب واحد كما يراه مالك و أكثر علماء الأصول يتجلى ذلك:
1- في اتخاذ شرع من قبلنا شرعا لنا ما لم يرد ناسخ، وهكذا أخذ المالكية بمشروعية الجعالة والكفالة من شريعة يوسف كما حكاه الله عنه في قوله: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم. كما استدلوا على مشروعية قسمة مهيأة بقول صالح: هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. وعلى جواز الإجازة والنكاح على منافع بقول صاحب مدين: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج.
2- في إباحته الاقتداء بالمخالف في الفروع و لو ترك شرطا من شروط الصلاة أو ركنا من أركانها في الفقه المالكي إذا كان الإمام لا يراه شرطا ولا ركنا في مذهبه، الصلاة وراء من نام ولم يتوضأ أو لا يقرأ الفاتحة في الصلاة أو يفتتح الصلاة بغير تكبيرة الإحرام على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
3- في رفضه تكفير المسلمين بالذنب و الهوى فقد سئل مالك عن المعتزلة أكفار هم؟ قال من الكفر فروا.
4- في تصحيحه حكم المخالف لمذهب مالك ومنع نقضه وإن خالف المشهور أو الراجح في المذهب المالكي، وهي القاعدة المعروفة بحكم الحاكم يرفع الخلاف المشار لها بقول خليل ورفع الخلاف لا أحل حراما.
5- فيما قرره الفقه المالكي في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن المختلف فيه لا يجب فيه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تحقق التعايش بين المذاهب والطوائف المختلفة وتحفظها من الصراع المذهبي والطائفي.
6- فيما قرره الفقه المالكي أيضا أنه إذا لم يوجد نص للمالكية في النازلة المعروضة فإنه يعمل فيها بالفقه الشافعي أو الحنفي على خلاف بينهم.
7- في رفض مالك فرض مذهبه وموطئه على جميع الأمة حين عرض عليه الخليفة العباسي ذلك واعتذر مالك عن ذلك .
8- في استحسانه العمل برأي المخالف ابتداء في بعض مواطن الخلاف من باب الورع والخروج من الخلاف، قراءة البسملة سرا، وقراءة الفاتحة خلف الإمام للخروج من خلاف الشافعي.
9- في قبوله رواية المبتدع إذا لم يكن داعية لمذهبه و لم يكن ممن يستحل الكذب .
10- في إباحته الخروج عن المذهب و العمل بقول المخالف عند الحاجة وفي بعض القضايا التي يصعب فيها الأخذ بالفقه المالكي أو لغير ذلك من الأسباب
كيف يمكن الاستفادة من المذهب المالكي في
حياتنا
.1
تنظيم المجتمع وتطويره في المظهر الديني. من المعروف أن هناك خلافات مذهبية نشأت
في المجتمع الإسلامي وأخذت مظهراً دينياً، كما رأينا في تراثنا الديني من مذاهب
مثل مذهب أهل السنة والجماعة، ومذهب المعتزلة، ومذهب الجبرية والقدرية والأشاعرة،
وفي الفقه من ينتسب إلى مذهب الإمام مالك أو الإمام أبي حنيفة أو الإمام الشافعي
أو الإمام ابن حنبل.. وبعض المذاهب في علوم العقيدة والتوحيد انتهت تاريخياً،
ويكون من الأفضل بل من الواجب أن لا يعمل أحد على إحيائها في عصرنا الحاضر، ذلك
لأن الاختلاف حول القضايا التي نشأت على إثرها هذه المذاهب، لم يعد لها وجود، بل
قد يصبح الانشغال بها نوعاً من الترف العقلي، أو نوعاًَ من اقتحام الغيب، وتجاوزاً
لِمنْطقة الممكن للإنسان، وصرفاً في الوقت نفسه عن الأمور الحياتية المعاصرة التي
تشغل الناس، ويفكرون من أجلها ليلَ نهارَ، ويكون من العبث واللغو أن نترك الآخرين
يجدّون ويجتهدون، ثم يصلون إلى ما يصلون إليه من أمور سيطروا بها على ماسخر
للإنسان في هذا الكون
.2
تنـظيم المجتمع الإسلامي وتطويره في المظهر السياسي: الأساس في المجتمع الإسلامي
أنه مجتمع قائم على التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، مجتمع قائم على أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مجتمع قائم على طاعة اللَّه تعالى وطاعة
رسوله عليه الصلاة والسلام ، وطاعة أولي الأمر ما أطاعوا اللَّه ورسوله، فإن
عصوا اللَّه ورسوله، فـ : >لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق< وهو مجتمع،
أيضاً، قائم على أداء الأمانات إلى أهلها، الأمانات التي تكون بين الإنسان وخالقه،
وبينه وبين دينه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين مجتمعه، وهذا كله وغيره في كل صغيرة
وكبيرة
.3
تنظيم المجتمع الإسلامي وتطويره في المظهر الاجتماعي: المجتمع الإسلامي مجتمع تحكمه علاقات اجتماعية خاصة قائمة على رعاية
الحقوق والواجبات. ففي داخل الأسرة توجد علاقة الأب بأبنائه والأم بأبنائها، وتوجد
علاقة الأبناء بالآباء والأمهات، كما توجد علاقة الزوج بزوجته وعلاقة الزوجة
بزوجها، ثم توجد علاقة الجميع بذوي الأرحام وبالجيران. ففي علاقة الأبناء بالآباء
والأمهات نرى التوجيه القرآني {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً
إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما
قولاً كريماً،* واخفض لهما جناح الذل من
الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً}، (سورة الإسراء، الآيتان: 24-23)
.4
تنظيم المجتمع الإسلامي وتطويره في المظهر الاقتصادي: يعد هذا المظهر من أخطر المظاهر التي ينبغي أن
يوجه إليها الاهتمام في عصرنا الحاضر، ذلك لأن المعاملات الاقتصادية لم تعد كما
كان الحال عليه وقت أن كان الناس يعيشون في أماكن متباعدة، وليس من السهل عليهم أن
يلتقوا إلا مع شيء كبير من الجهد والمشقة. أما الآن فقد اختصرت المسافات، واختزل
الزمن اختزالاً يكاد يمحو أرقامه، وبخاصة فيما يتصل بنقل الأخبار، وإذاعة ما يجدّ
على الساحة العالمية من شؤون الحياة، ومع هذا
التطور العالمي لم يعد بإمكان العالم الإسلامي أن يعيش وحده في جزر منعزلة،
لايدرى شيئاً عما يحدث حوله، بل أصبح واجباً عليه وجوباً حتمياً أن يلتقي مع غيره،
وأن تكون مع هذا الغير مبادلات سلعية، وأسواق مشتركة، وتجارات متبادلة، وكل هذا
يقتضي ما يقتضيه من نظم اقتصادية ومحاسبية،
.5
تنظيم المجتمع الإسلامي وتطويره في المظهر الفكري والعلمي: إن من المسلمات في
الإسلام >أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة<، >وأن الحكمة ضالة
المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها<، وأن الإنسان عليه أن يطلب العلم من المهد إلى
اللحد، وأن العلماء لهم المنزلة العظمى، والمقام الأسمى، ويكفي أنهم ورثة الأنبياء
الذين لم يورّثوا ديناراً ولادرهماً، وإنما ورَّثوا العلم،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق